الأحصائيات |
عدد زوار الحالي:9 عدد زوار اليوم:503 عدد زوار الشهر:26880 عدد زوار السنة:259031 عدد الزوار الأجمالي:1445511
|
البريد الالكتروني |
|
|
ابو هاون ارث حضاري ونسيج اجتماعي |
م . م عقيل مطشر عكلة
قريةُ أبوهاون الغافيةُ على جُرفِ الغّراف إحدىٰ قُرىٰ محافظة الحرف
الأول (ذي قار الشموخ والعطاء والكرمِ والفداء)..مابينَ المنظورِ والسطور ..عمرٌ
ينوفُ على المئةِ عام وحاضرٌ مفعمٌ بُربىٰ زحاليفِ الأزمنةِ وبواطنِ الوئام
..ما إن يتنفسُ صباحُ هذهِ القريةِ تفوحُ رائحةُ ذلك النباتُ الأسود المُسمىٰ
بالبُن بمزاجٍ أطَعَمُ من الشهدِ رُغَمَ مرارتهِ الُمدقعةِ الأَّ أنهُ يُمثلُ
شَراباً سائغاً لأرياقِ مُعظمِ قاطنيها ممن يرودونَ تلك المضائف المتخمةِ
بالأستبشارِ وحُسنِ الإستقبال للمقبلين عليهم والواطئينَ فُرُشِ دواوينهم
بمنظورٍ يتكللهُ المُسامرةِ وتعلوهُ الأبتسامةِ ويُحاطُ بالتصبيحِ والتّرحاب
وكأنَّ هذهِ العادةِ لاتتكرر يومياً لِما يحُوطها من الحفاوةِ وأنشراح الصدور ..
هذهِ من أحدى السجايا التي وُلدت مُذ وُجدت معالمُ هذهِ القريةِ
وشُيدت مبانيها فهي عادةٌ أزليةٌ في القِدم وتوارثها الأباءُ عن الأجداد من
غيرِ تمَلمُلٍ ولا تقلقل فعند بزوغَ شمسُ كلِّ يوم تتجمعُ أُناسُها مابينَ شيّبةٍ
في السنِ طاعن وبين من دخلَ كهولتهِ آمِن بالإضافةِ الى أجناسِ الشبابِ
الُمنتهلين من أحاديثِ السَلفِ والمتكئينَ على أديمِ المُزدَلَف توشيحةٌ أخرىٰ
تطغىٰ على لِباسها المجتمعي ونسيجها الأجتماعي فتُضفي لها ألقاً ورونقاً يزهو
بسنا برقِها أصالةً وتوثيقاً الآ وهي خصلةُ الطيفُ الموزائيكي العشائري
الماكثِ فيها فتجدُ ألواناً لمُختلفِ العشائر تُمثلُ صورةً ناصعةً تذوبُ
ببوتقتها ألأحقادُ ومطارفُ أحاديثِ العِناد فتتزينُ بذلكَ الجلباب المُتداخلِ
بأسماءِ عَراقةِ الجذورِ الأصيلةِ والفروعِ الوتيده ويتقدمُ ذلك الطيفَ القَبَلي
بُطونَ القومِ وعِليتهم من ساداتِها وكُبّارِها... يُضافُ على ماذُكرَ آنفاً مما يُعطيها نفحةٌ في الأثرِ وتقّدمٌ
مُزدَهر حيثُ أنها أُسِسِت على ظهرِ أرضِها مدرسةٌ من اقدمِ مراكزِ التعلُمِ في
بلادِ الرافدين ولايخفىٰ على الجميعِ أسمُ (مدرسةِ المهديةِ) التي أنتجت الطبقات
الأكاديميةِ ومُختلفِ الصنوفِ التربويةِ والكوادرِ التدريسيةِ ولازالت الى الآن
ترتكزُ بمبناها ومقتناها وجُدرانها حاملةً بين طياتِها ذكرياتٌ حِسان ورواياتٌ
ذواتِ أفراحٍ وأحزان .. المناسباتُ الدينيةُ للأطهارِ من الآل تُقامُ على بلاطِها
بأوقاتِها وتقاويمها على مستوىٰ أفراحهم وأتراحهم على مدارِ العام ...فترىٰ
أنعِقادُ مآتمُ الأستشهادِ ومجالسُ الرشاد وجَلَساتُ الأبتهاجِ حين ينبلجُ لهم
ميلاد فتُقلبُ ليالينا أيذاناً بذكرِ الولوجِ الى أعياد ..وهذِهِ مهّامٌ أركزها
أربابُ المجالسِ على عواتِقهمْ يتخللها الخدمةُ التي تتفتَحُ لها حتى الأنفُس
الشُحَ أبتهاجاً وتعظيماً...وهم مدروبونَ على ذلك تزلُفاً للهِ سبحانه وتقرُباً
اليهِ بأنوارِ معمورتهِ وأركانَه.. فالأيام السالفة فيها ذات الصبغةِ المعجونةِ بالقِدَم يُتخمُ بها
شريطُ الذكريات ويتصفحها في حاضرهِ وكأنها حدثت بالأمس من غيرِ أن تُدفنَ
بغُبارِ السنين المتهالكةِ والمنصرمة لأنها تحملُ بين أكنافهِا تجاعيدَ من
مَضُوا وملامحَ من غَرُبوا وحُجىٰ من أرتحَلُوا فيبقىٰ بها المزاجُ طازجاً ولكن
يتخللها حسرةُ الفراقِ وألمُ بعدُ المساق فتغورُ العيون وترمي أدمُعَ اللؤلؤ
الساخنِ على عوارض الخدود بغيةَ التفريج عن همومٍ متراكمة وأنغاصٌ متلاطمة فديمومةُ
الأزمان الخالية تُطرحُ على موائدِ الجُلساء لينتهلونَ منها عِبَراً ودروساً
وإن اختلفتْ في الميحان والميعاد .. موضعُ الرأسِ ومسقطُ الجسد لكلِ ذي عينينْ
يعتبرُ بمثابةِ اديمٌ مقدس وموطىءٌ مؤَسَس ..شيدهُ الأبعدون والماضون ورصَّ
بنيانهُ الراحلون والغاربون ..فهذا الميراثُ الأوهج والتأريخُ الأبلج لابدَّ
أن يُحفظَ في ذاكرةِ كلِ من يستوي على سُوقهِ ويبلُغَ مناهلَ رُشده حتى يتعضدُ
بها في أقواله ويتسيدُ فيها برَحلِهِ وترحاله ..فأبوهاون ليست قريةً كمثيلاتها
من القرىٰ فهي تتعامدُ مع القصبِ الذي يُزَيّنُ مضائفها عُلواً وشموخاً وتتناثرُ
على أديمِ مرحاها روائحٌ تُزكمُ الآناف من أريجِ عُطرِها ..أرضٌ تُربتها ليست
خصبةٌ للتناحرِ والتباعد وماءها لايصلحُ لكي يرتوي منه مَن أضمأهم عطشُ النفاق
..فهي عبارة عن سُرادقٌ للألفةِ والمحبةِ والتلاق ...
|
أرسلت بواسطة: أدارة الموقع | التاريخ: 21-10-2020 | الوقـت: 10:09:30 مساءا |
|
المواضيع المرتبطة بهذا المقال
|
|
التصويت على المقال
المعدل: | | عدد المصوتين: | 0 |
|
|
|
|